لم يعد علم اللسانيات الحديثة يقتصر على الفروع الثلاثه المعروفه التي بدأ بها وهي: النحو والصوتيات والدلاله، بل امتد فروعه في العقدين الأخيرين إلى ميادين جديدة كثيرة مثل اللسانيات النفسية والعصبية والاجتماعية والعرقية وغيرها. ولا طالما اتجهت انظار اللسانيين الى علم البيولوجيا عاملين بأن يحمل في طياته ما يكشف أسرار اللغة و يميط اللثام عن خبايا التي مازالت مجهولة حتى الآن. فقد توقع جفري سامسون ان تكون اللسانيات القادمة لسانيات حيويه وها هي توقعاته تتحقق بعد عقدين من الزمن تقريبا.
وترجع العلاقة بين علم الأعصاب واللسانيات الى الارتباط الوثيق بين اللغة بوصفها شكلا من أشكال السلوك الإنساني و بين الدماغ الذي يسيطر على السلوك والتفكير بجميع أشكاله. في تطور علم اللسانيات إذن أضحى رهين بتطور علم الأعصاب. ولم يعد خافيا على أحد الخاصية المز ده وجاء للغة التي تنبثق من ملاحظة شكلها المحسوس كظاهرة صوتية ومن جانبها الدلال غير المحسوس الذي يتعلق بتشكيل الرسائل في الدماغ قبل نطقها وفهمها عند سماعها. وطبيعي أن يكون الجانب المحسوس اسهل الدراسة ووصفا من الجانب الغامض المجهول وهو الجانب الدلالي.
وهذا الكتاب الذي وضع ترجمته بين يدي القارئ الآن على صغر حجمه يطرح قضايا في غاية الأهمية في علم اللسانيات العصبية المؤلف ديريك بيكرتون يعالج العلاقة بين اللغة والتفكير ويحاول الإجابة عن السؤال طالما حير كثيرا من اللسانيين وهو هل اللغة ضرورية فعلا للتفكير؟ كما يعالج قضية مهمة أخرى تتعلق بالوعي عند الإنسان،سيعرف الوعي و يصنفه في مستويات ثلاثة لكل منها دور معين في مساعدة الإنسان على البقاء والحفاظ على توازنه الداخلي على حد ادعائه.
ويطرح بيكرتون تصور لنشأة اللغة في العصور السحيقة ويناقش عدد من النظريات في هذا المجال وكيف تطورت اللغة الأولى إلى شكلها الحالي اليوم. ويتساءل بيكرتون كذلك عن العلاقة بين حجم الدماغ الإنسان وذكائه وعما إذا كان لكبر حجم الدماغ أي علاقة بتطور اللغة وظهور النحو قبل آلاف السنين كما يقارن اللغة الأولى بلغه الاطفال دون الثانية من العمر وباللغات المجين والخليط التي تظهر نتيجة لتمازج اللغات بعضها البعض كما يحدث في بعض المجتمعات التي تضم شعوبا من أصول عربية مختلفة.
ومن نقاط المهمة في كتاب بيكرتون هذا معالجته التفكير والوعي فهو يقول إن التفكير مستويين: الأول موصول والثاني مفصول فالتغيير الموصول هو الذي يرتبط بالبيئة المحيطة بالفرد ارتباطا مباشرا ويتفاعل مع ما يراه ويسمعه ويدركه من خلال حواسه، وهذا التفكير ضروري للبقاء على قيد الحياة لأنه يسمح للفرد بتجنب الأخطار والتعامل مع البيئة حسب ما تمليه الظروف. واما التفكير المفصول فهو التفكير الذي لا يتحفظ من خلال الحواس بل يشتغل من تلقاء نفسه ولا علاقة له باللحظة الحالية التي يعيشها الفرد وهذا النوع من التفكير ضروري لتقدم المعرفة الانسانية والحضارة لأنه ينتج المخترعات ويدفع بذلك عجلة التقدم.
ويستنتج بيكرتون أن الإنسان يشترك مع غيره من المخلوقات بالتفكير الموصول الذي هو اتصال مباشر بما يحيط به في اللحظه الحاليه. واعتقد ان بيكرتون على صواب في قوله هذا لأن الحيوانات على النقيض من الإنسان لا تفكر إلا فيما تلتقطه من خلال حواسها وبما هو ضروري لدعائه على قيد الحياة.
وقد يرى كثير من القراء بمن فيهم المترجم في الكتاب افكارا لا تروق لهم او افكار تحتمل الجدل. لكن هذا بالطبع يجب أن لا يقف عائقا امام التعرف على افكار الاخرين وربما الرد عليهم. لا سيما عندما يتعلق الأمر بموضوع حساس مثل اللغة مهما كانت وجهة نظر القارئ في نشوء اللغة. ويصرف النظر عن اتجاهاته الفكرية. ومهما كانت وجهة نظر القارئ من نشوء اللغة، ويصرف النظر عن اتجاهاته الفكرية. ومهما كانت وجهة نظر القارئ من نشوء اللغة مهما كانت اتجاهاته في نظرية التطور التي قال بها داروين مثلا لم تلق القبول لدى الكثيرين من العلماء، لكن تناولها المعارضون والمؤيدون على حد سواء بالدراسة والتمحيص واجدني اتفق مع المؤلف في نقطه مهمه وهي أن اللغة لم تظهر بشكل تدريجي بل ظهرت دفعة واحدة كنظام تمثيلي منذ ان وجد الانسان على وجه الأرض.
وهذا الكتاب أحب أن يلفت انتباه القارئ الى بعض الامور الخاصه بلغه الكتاب الأصل المؤلف يستخدم لغة الحديث الدارج احيانا، ولغة علمية معقدة أحيانا، كما تزخر كتاباته بتعابير معترضة وأقواس يعد بها النص.
لكن لغة الكتاب تنم عن سعة اطلاع المؤلف على علم الأعصاب وعلم النفس بالإضافة الى اللسانيات بالطبع. كل هذا جعل منه عمل المترجم تحديا له ومن بالغ الصعوبة .
فقد استعصت بعض التعبيرات على الترجمه بشكل واضح حتى زملاء الكاتب الذين قصدهم طلبا للمساعدة لم يستقر على راي واحد بالنسبه للترجمه عدد من المصطلحات الجديدة لذلك يستميح للقارئ ان وجد بعض الخلل في ترجمة بعض المصطلحات.
ماذا يقدم الكتاب ؟
يقدم هذا الكتاب اللغة باعتبارها مثالا على هذه القدرة، في الفصل الأول يبحث في اللغة وخصائصها المحددة، ومن ثم يميز هذه الخصائص على أشكال التواصل الأخرى مشيرا الى مصادرها الممكنة أكثر من غيرها. ويعالج الفصل الثاني كيف تطور الاستعداد اللغوي باعتباره النتائج النهائي للاستعدادات كامله لدى ما يعرف أحيانا بالمخلوقات الأكثر تقدما وكيف شغلت اللغه بفضل طبيعة تطورها الأساس الذي قامت عليها القدرات العقليه اللاحقة أو الأساس الذي أوجب ظهور تلك القدرات. وأما الفصل الثالث فيشير الى ان الخصائص التي ينفرد بها الذكاء البشري مستمد مباشرة من امتلاك الإنسان على المقدرة اللغوية. وأخيرا يشير الفصل الرابع الى احتمال نشوء الوعي من مصدر مماثل.
المحتويات
مقدمة المترجم
كلمة الناشر
كلمة الشكر
مقدمة المؤلف
الفصل الأول: ما هي اللغه؟
الفصل الثاني: اللغة والتطور
الفصل الثالث: اللغة والذكاء
الفصل الرابع: اللغة والوعي
الخاتمة
الهوامش
قائمة المراجع
ثبت المصطلحات
اولا: عربي، انجليزي
ثانية: انجليزي، عربي
كشاف الموضوعات
الكتاب
تحميل كتاب اللغة وسلوك الإنسان (هنا بصيغة PDF)